ذكريات تعانق الأطلال (نبيل شريط)

باب ،ساقية،و بيت قديم.........ذكريات تعانق الاطلال.

رثاء القرية وبكاء على أطلال اناس مروا من هنا. باب خشبي نسي لونه المخضر و كره مغلاقه المزنجر ،هرم و ابى الرحيل.اصحابه ذهبوا دون رجعة ،لن يفتح مغلاقه لأي كان، أصبح وجوده من عدمه سواء، فلو يفتح ستعود الذكريات لجنبات المكان و تنتعش الحياة و تدب الحركة و تسري الغبطة كالدم في العروق سريان.تهلل بالذين سكنوا المنزل من احباب و خلان ، الكل احزم حقائب الرحيل ،فلا الدار بقت ، ولا الباب فتح ، ولا الخلان عادوا.ولا شمس القرية دخلت و توسدت وسط الدار ، لم يبقى من قهوة العصر إلا اكوابا مبعثرة نسفها الغبار ، و جزوة سوداء عنيدة مقبضها يابى الاندثار ، لم يبقى للبن ولدخان الكانون و الكانكي و مكنسة الجريد اي أثار، قف نعم قف سيتخيل لك ان جنود المغول من هنا هجموا وان التتار في زقاقنا حطم كل شيء و سار، حتى ديك جارنا القرمزي كره الصياح و اخذ تقاعده مكرها فلا دجاجتنا تخافه ولا الكلاب تنبح حين تسمع صوته.

الكل عاطل عن العمل،حتى اسكافي القرية غير حرفة اجداده و تزوج و سافر إلى بلاد بعيدة،............ذكريات جميلة تستوقف من ألف المكان ، تفرحه برهة و تبكيه ازمان ،تخالج نفسه احاسيس حزينة ،تستنطق الماضي التليد و تروي لها ما صار بالمكان ، تروي بكل حسرة قصة الجدار المنكوب و الباب البائس الذي صبر ثم كره عنوان المكان، و جريد نخلة حمراية تزاحم باب الفناء و تكتم وسط الدار ،قد اعيتها الرياح الغربية و سئمت الترنح يمينا و شمالا علها تهزم الاحتقار.

الساقية الجميلة الصافية شربت ماءها من شح الطبيعة و عزوف سماء القرية عن الامطار ، فتجعدت تربتها الداكنة كوجه عجوز شمطاء تلف بوشاحها المقزز أطراف الدار، حتى أزيز الحشرات ليلا امتطى قطار الاندثار ،لا خنفساء ولا جراد و لا حتى فأر، لا الماء رقرق ولا الخز نمى ولا عصفور البوفسية غرد و طار .

خيوط العنكبوت المارد سكنت المكان بدون رخصة و أصبحت لا ترد على طارق الباب ، لا تعرف تقاليد الضيافة و كرم أهل الدار. توهم القلب بحنين لذكريات مضى و افل نجمها ،تدغدغ الماضي الدفين و تهمس في تفاصيله الحزينة، و تتمعن بكل دقة في دفاتره البائسة ، فتعطيه درسا في أعلى درجات الحزن و الأنين ، لكن هيهات لن نستسلم للحزن و الاطلال فحتما يأتي يوم نكون فيه نحن أهل الود ، ثم نرحل في صمت ، ويأتي وراءنا من يضرب على جرس الباب و تتواصل مصيبة اللوعة و الفراق ....لكن أملنا في الله أعظم و اكبر فالحياة تفتح لنا يداها الطاهرتين بكل ود و ابتسامة لتنسينا بعض الأحزان لنرى الدار و الباب الخشبي و الساقية و نفس المكان بعين الفرحة و التفاول وفاءا للصحب و الخلان .....هنا جلسوا...هنا سمروا.....هنا ضحكوا... هنا وقفوا ...هنا طرق الباب و عم السرور ربوع المكان .

نظرات شيخ طاعن يحرس المكان ذبلت، و خطوات ارجل تعبت و ثقلت ،و احاسيس تبكي المكان،....لابد من القطيعة مع الماضي أيها الخلان، لكي نهزمه ونفكر بما هو آت جميل ،نفوض أمرنا دائما لله عز و جل و نستبشر به كل الخير، و نرسم حياتنا منى جديد مؤمنين بغد مشرق ،إشراقة شمس كل صباح ،نقلب في زوايا الأفق البعيد ما يقربنا لله و يشبثنا بالحياة فذلك اجمل و احلى ................................ ،لكم مني اجمل التحايا. ......................شريط نبيل .1جانفي 2018 بسكرة الجزائر.