سجل أيها الأدب (رسالة إلى وزير العدل)

سجّل أيها الأدبُ
(رسالة إلى وزير العدل)

يَا حَامِيَ العَدْلِ إنَّ العَدْلَ محرَقَةٌ
وَالظُّلْمُ فِيهَا علَى الظُّلَّامِ مُنْقَلِبُ

فَعِنْدَ رَبِّكَ لَا أحكامَ تُصْدِرُهَا
وَ ليسَ ينفعُ منْ ظُلمًا قضى لقَبُ

أبكَيتُمُ مَنْ لَهُ حقٌّ بِلَا خَجَلٍ
وَ كُلُّ أقوالِكُمْ قانُونُهَا الصَّخَبُ

سنلتَقِي عِندَ ربٍّ سَوْفَ يُنصِفُنَا
وَحَسْبُنَا اللَّهُ يَا منْ حَسْبُهُمْ عَتَبُ

لَمْ تفهَمُوا لُغَةً حَتَّى أَدِلَّتُكُمْ
فِي الحُكْمِ مُعظَمُهَا تركيبُهَا خَشَبُ

حَتَّى الوَزِيرُ الَّذِي أحكَامُهُ نَزَلَتْ
لَمْ تفهَمُوهَا فَفِي تأويلِكُمْ عَطَبُ

أتجهَلُونَ مَراسِيمًا موَثَّقَةً
وَتَحكُمُونَ بِهَذْيٍ جُلُّهُ كَذِبُ

إنَّ الحَياةَ بِهَا الألقَابُ زَائِلَةٌ
وَ بعدَهَا سنَرَى منْ حَقُّهُ اللَّهَبُ

حُزْنِي علَى وَطَنٍ فِيهِ الكَذُوبُ غدَا
فحْلًا وَقَامَتُهُ كالبُرْجِ تنتصِبُ

وَفحلُهُ لَا يَرَى إلَّا مَهَانَتَهُ
بَيْنَ المَحَاكِمِ نادَتْ باسْمِهِ القِرَبُ

مَا عُدْتُ أدْرِي هلِ القَانُونُ يُنصِفُنَا؟
فمنْ جَهَالَتِكُمْ قَدْ صِرْتُ أرتَعِبُ

هَلْ ذَا جزَاءُ الَّذِي القَانُونُ يُنصِفُهُ؟
حُكْمٌ بِلَا سَنَدٍ؟ ...وَ اللَّهِ ذَا عَجَبُ!

إنَّ البُنُودَ التِي قِيلَتْ لَواضِحَةٌ
لِمَ الجِدَالُ إذنْ وَالهَوْلُ وَالتَّعَبُ؟

قَانُونُكُمْ واضحٌ لَا شَكَّ فيهِ فهَلْ
قَانُونُ دَوْلَتِكُمْ فِي جَمعِكُمْ لَعِبُ؟

وَزِيرُكُمْ، حافِظُ الأختَامِ أنبأَكُمْ
لكِنَّ أعيُنَكُمْ منْ تحتِهَا سُحُبُ

مَاتَ الشَّهِيدُ ليحيَا كُلُّ معتَنِقٍ
أهواءَهُ مَلِكًا وَالفحلُ ينتقِبُ!

(جُرْمٌ) يَقُولُ الَّذِي فِي الرُّكنِ مكْتَبُهُ
وَجُلُّ أقْوالِهِ نارٌ بِهَا حَطَبُ

كَأنَّهُ قادَ سَبْعًا مِنْ شَوارِبِهِ
وَاصطَادَهُ آمِلًا أن تَعلُوَ الرُّتَبُ

يَلُومُ وَاللَّوْمُ مِنْهُ لَا أسَاسَ لَهُ
إذْ كُلُّ أقوَالِهِ لَا ما لَهَا سَبَبُ

سَجِّلْ أيَا دَهْرُ مَا قَالَتهُ ألْسِنَةُ
الظُّلَّامِ تَبًّا لِمَا فِي عَيْشِهِمْ كَسبُوا

وَثقتُ فِي عَدْلِكُمْ حتَّى احتَرَقْتُ بِهِ
وَدارَ بِي زَمنٌ إذْ ذُلَّتِ النُّخَبُ

مَحَاكِمٌ جَرْجَرَتْنَا فِي مُحَاكَمَةٍ
لَا ذَنبَ فيهَا لَنَا وَالقَوْمُ قدْ عَجِبُوا

هذَا نِدَائي - وزِيرَ العَدْلِ - إنَّ لَنَا
حَقًّا بِمرْسُومِكُمْ لَكِنَّهُمْ سَلَبُوا

مُسْتأنِفُونَ وَربُّ الكَوْنِ يَنصُرُنَا
إذْ ليسَ ميثَاقَنَا فِي عَيشِنَا الكَذِبُ

هَذِي الجَزَائِرُ منْ يَومًا سَيُنصِفُهَا
إنْ ديسَ قَانُونُهَا كَيْ تُكْسَرَ الرُّكَبُ؟

بَريئُهَا صَارَ فِي الأقفَاصِ مُتَّهَمًا
وَصَارَ مُذْنِبُهَا للحَقِّ يَنتَسِبُ

لَسْنَا نَلُومُ فعِندَ اللَّهِ كُلُّ أذًى
يَزُولُ لكنْ سيبقَى الإثمُ وَالعَتَبُ

عَارٌ علَى أُمَّةٍ حُكْمٌ بِلَا سَبَبٍ
سَجِّلْ مَظَالِمَنَا يَا أيُّهَا الأَدَبُ

فريد مرازقة الجزائري

ستبقى هذه القصيدة شاهدة ويوما ما ستؤرخ لحقبة معينة بعد أجيال عديدة...

و كما نقول نحن الآن قال الشاعر فلان الفلاني ... يوما ما سيقولون قال الشاعر فريد مرازقة....
أما الظّلام من البشر فنلتقي عند رب لا يُظلم عنده أحد.

حينها ستفهمون...